مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 4/10/2022 08:26:00 م
ما الذي قد يدفع أي دولة للتخلي عن عملتها والمضي قدماً نحو الدولرة -الجزء الثاني- تصميم وفاء المؤذن
 ما الذي قد يدفع أي دولة للتخلي عن عملتها والمضي قدماً نحو الدولرة -الجزء الثاني
 تصميم وفاء المؤذن
- تذكيراً بما تحدثنا عنه سابقاً، فقد وضحنا معنى الدولرة وأنواعها اقتصادياً، وتطرقنا بذكر لبنان كمثال لبلد عربي يتعامل بالدولار بشكل غير رسمي، وتحدثنا عن وضع الإكوادور بعد منع التعامل بالعملة المحلية نهائياً. 

البنك المركزي وتنازلاته 

- تنازلت الإكوادور عن جزء مهم وهو سيادتها، ولم يعد للبنك المركزي سلطة أو دور كبير في |السياسة النقدية|، لأنه تنازل عن أعز ما يملك وهو سلطة الطباعة، فهو الآن غير قادر على طباعة الدولار الذي يتعامل فيه كعملة رسمية، لأن هذه سلطة |البنك الفيدرالي الأمريكي| فقط. 

ولكن كيف يتمكن من تأمين الدولار

ببساطة أن يبيع أي شيء ممكن للخارج يستطيع أن يحصل مقابله على الدولار، وإن لم يكن هذا الأمر كافياً، فليس أمامه من حل إلا أن يقترض. 

- والأخطر من هذا كله، أن البنك المركزي الإكوادوري فقد دوره كملاذ آمن للقطاع المصرفي، فالذي يضمن ودائع الناس في البنوك هو البنك المركزي، ومما يساعده على أن يلعب دور الضامن هو قدرته على الطباعة، ولو حدث ما يسمى بالذعر المصرفي، وتوجهت الناس نحو البنوك لتسحب أموالها بالدولار. 

حل معضلة البنك المركزي 

كيف سيتمكن البنك المركزي من الحصول على الأموال

فمن المستحيل أن تغطي احتياطاته من الدولار ولو جزء بسيط وصغير من أموال المودعين، ومن أجل أن تحل الإكوادور هذه المعضلة، قامت بإنشاء صندوق طوارئ بالدولار، وألزمت كل بنك أن يضع فيه واحد بالمئة من الودائع الموجودة عنده. 

وبعد كل محاولات الإكوادور هل حققت ما تسعى إليه؟ 

الأهداف التي تم تحقيقها في ظل سياسة الدولرة 

في السنين الأولى وتحديداً ما بين ٢٠٠٠-٢٠٠٨، حققت الدولرة بعض أهدافها، حيث تم حل مشكلة تقلب سعر الصرف، فلم يعد هناك وجود للعملة المحلية بالأصل، واستقرت الأسعار لأن التضخم الذي كان خارج عن نطاق السيطرة انخفض بشكل كبير جداً، في عام ٢٠٠٠  أصبح معدل التضخم يعادل مايقارب ٩٦%، وفي ٢٠٠٧ انخفض إلى ٢،٢%، ومن الضروري أن ننتبه هنا إلى أمر مهم جداً، وهو أن |القروض| التي استلفتها البلد من بعد أن اتبعت مبدأ الدولرة ، ساعدتها على تحقيق هذه النتائج، والفضل يعود لصندوق النقد الدولي الذي أقرضها الأموال.

الأزمة المالية العالمية 

لم تلبث الإكوادور أن تشعر بالاستقرار، بعد شعورها بالأمان حيث حققت عدة أهداف ذكرناها سابقاً، إلا أن الأوضاع الاقتصادية انقلبت رأساً على عقب،  بسبب الأزمة المالية العالمية عام ٢٠٠٨، وبما أن الإكوادور دوناً عن غيرها مرتبط بشكل كبير بأحوال الاقتصاد الأمريكي، فقد تأثرت أكثر من غيرها تأثرت بهذه الأزمة وخسرت جزء كبير من احتياطاتها الدولية. 

ومما زاد الأمر سوءً، عندما قررت الحكومة تجريد البنك المركزي من استقلاليته في عام ٢٠٠٩، بحيث تبقى قرارتها صادرة بموجب موافقة الحكومة، وأصدرت قرار ينص على شراء البنك المركزي لسنداتها من أجل أن تقوم بتمويل الدين العام، وبناءً على ذلك فقد زاد الإنفاق الحكومي وأيضاً زاد  عجز الميزانية... .

فهل هده الأمور سببت أزمة للبلاد؟ 

أم أن الأوضاع لم تتأثر بهذه التغيرات والتحولات؟ 

ما الذي قد يدفع أي دولة للتخلي عن عملتها والمضي قدماً نحو الدولرة -الجزء الثاني- تصميم وفاء المؤذن
 ما الذي قد يدفع أي دولة للتخلي عن عملتها والمضي قدماً نحو الدولرة -الجزء الثاني
 تصميم وفاء المؤذن

تأثر البلاد بالأزمة المالية العالمية 

- تضاعف الإنفاق الحكومي وزاد العجز في ميزانية الدولة، وكل هذه الأمور لم تؤثر في البداية، ولم تسبب أزمة وتحديداً في الفترة ما بين ٢٠٠٨-٢٠١٤، وذلك يرجع لارتفاع |أسعار النفط| في تلك الفترة، والذي أدى إلى توفير موارد دولاريه للبلد، باختصار كانت الأموال العائدة من البترول تغطي على مشاكل الدولرة. 

تدهور اقتصاد الإكوادور 

- أما عن مسلسل التدهور فقد بدأ مع انهيار أسعار النفط في عام ٢٠١٤، حيث بدأت الحكومة تبحث عن مصادر تمويل جديدة في بداية عام ٢٠١٥، بعد أن تراجعت قيمة صادراتها من النفط، والمدهش في الأمر، أن الحكومة لم تقم بالاستلاف فقط من المؤسسات الدولية مثل |صندوق النقد الدولي|، وإنما قامت بوضع يدها على جزء من أموال الضمان الاجتماعي، وقامت بالاقتراض من البنوك المحلية عن طريق البنك المركزي. 
- ارتفع الدين العام لحكومة الإكوادور من ١٤،٧مليار دولار عام ٢٠٠١، إلى أن وصل في عام٢٠٢٢ إلى ما يقارب ٦٦مليار دولار، فمنذ سنتين فقط وتحديداً في عام ٢٠٢٠، لم تكن الإكوادور تمتلك ٨٠٠ مليون دولار تدفعهم لأصحاب السندات، والذين يمتلكون سندات قيمتها١٩،٢ مليار دولار، وتخلفت البلد عن السداد في الوقت المحدد بسبب عدم امتلاكها للأموال. 
- وفي  يومنا الحالي، وبعد مرور أكثر من ٢٢سنة، على تخلي الإكوادور عن عملتها المحلية لصالح الدولار الأمريكي، تعاني البلد من نمو اقتصادي ضعيف، ومن ديون خارجية متزايدة، واحتياطيات دولية لا تغطي إلا جزء صغير جداً من التزامات القطاع المصرفي. 

وباء كورونا وتأثيره على الاقتصاد 

- ومما زاد الأمر سوءً، الأضرار التي تعرض لها الاقتصاد بسبب وباء كورونا، حيث أن خسائر الإكوادور من أزمة كورونا فقط، من الممكن أن تصل لما يعادل ٧% من ناتجها المحلي الإجمالي، وعبر أستاذ الاقتصاد الإكوادوري Alberto Acosta عن رأيه في تجربة الإكوادور، أنه تم تقديم الدولار للبلد باعتباره حل لجميع المشاكل، بناء على رأي خبير اقتصادي فنزويلي، والذي بدوره أقنع الحكومة أن المشكلة الوحيدة التي لايمكن لسياسة الدولرة أن تجد له حلاً هو مرض الإيدز. 
- واتضح بعد ذلك أنها لم تكن الحل المثالي أبداً، وأن العيب لم يكن في العملة المحلية وإنما في الاقتصاد نفسه، والذي كان يعاني من مشاكل هيكلية استمرت بالتزايد على مدار السنوات. 
وخلاصة الكلام أن الدولرة كخيار اقتصادي مشكوك جداً في فعاليتها، وذلك لأن عيوبها أكثر بكثير من مزاياها، ولو كان هناك مستفيد واحد منها، فهو الدولة التي تملك تلك العملة وهي الولايات المتحدة. 
في عام ٢٠٠٠ وزير الخزانة الأمريكي السابق Lawrence Summers، قال أثناء شهادته أمام اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ الأمريكي، أن الدول صاحبة الاقتصادات المدولرة، التي تستحوذ على الدولار الأمريكي حتى تستخدمه في اقتصاداتها، تقوم بتقديم قرض بدون فوائد لأمريكا!! 
ولن أنسى السؤال الخاص بك عزيزي القارئ 
لو افترضنا أن الحكومة في الإكوادور قررت أن تصدر عملة وطنية جديدة خاصة بها حتى تخرج من فخ الدولرة هل من الممكن أن يوافق الشعب على تبديل الدولار الذي بحوزته بالعملة الجديدة؟ 
  بقلمي: تهاني الشويكي

إرسال تعليق

كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك

يتم التشغيل بواسطة Blogger.